------

0
قراءات في سيرةعلي بن أبي طالب مع أبو بكر وعمر رضي الله عنهم

ورد في كتاب مفيد مُمتِع للإمام ابن الجوزي المتوفَّى سنة 510 ه رحمه الله وهو الكتاب المشهور: "تلبيس إبليس"،
هذا النصِّ الثمين، فأحببتُ أن أنقله إلى القُرَّاء الكِرام؛ لأنَّ في ذلك دفاعًا عن أمير المؤمنين سيِّدنا عليٍّ رضِي الله عنْه وكشفًا عن رأيه في الخليفتَين الراشدَيْن اللذين هما أفضل أمَّة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.

قال ابن الجوزي بسنده إلى سويد بن غفلة قال: مررتُ بنفرٍ من الشِّيعة يتناوَلون أبا بكر وعمر رضِي الله عنْهما فدخلتُ على عليِّ بن أبي طالب، فقلت: يا أمير المؤمنين ، مررتُ بنفرٍ من أصحابك يذكُرون أبا بكر وعمر رضِي الله عنْهما بغير الذي هما له أهل، ولولا أنهم يرَوْن أنَّك تُضمِر لهما مثلَ ما أعلَنُوا، ما اجترَؤُوا على ذلك.
قال عليٌّ: أعوذ بالله، أعوذ بالله أن أُضمِر لهما إلا الذي ائتمنَنِي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، لعَن الله مَن أضمر لهما إلا الحسَن الجميل، هما أخَوَا رسولِ الله، وصاحباه ووزيراه رحمة الله عليهما. ثم نهض دامعَ العينين يبكي قابِضًا على يديَّ، حتى دخَل المسجد فصعد المنبر وجلَس عليه متمكِّنًا، قابِضًا على لحيته، وهو ينظر فيها وهي بيضاء، حتى اجتَمَع لنا الناس، ثم قام فتشهَّد بخطبةٍ مُوجَزة بليغة، ثم قال:
"ما بال أقوامٍ يَذكُرون سيِّدَي قريش، وأبوَي المسلِمين بما أنا عنه متنزِّهٌ، وممَّا قالوه بريءٌ، وعلى ما قالوا مُعاقِب؟! أمَا والذي فلَق الحبَّة وبرَأ النَّسمة، لا يحبُّهما إلا مؤمنٌ تقيٌّ، ولا يبغضهما إلا فاجرٌ شقيٌّ.
صَحِبا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على الصدق والوفاء، يأمُران وينهيان، ويغضَبان ويُعاقبان، فما يَتجاوَزان فيما يَصنَعان رأيَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يرى غيرَ رأيهما، ولا يحبُّ أحدًا كحبِّهما.
مضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو راضٍ عنهما، ومضَيَا والمؤمنون عنهما راضون، أمَّره] الضمير عائد إلى أبي بكر كما هو واضح[ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على صلاة المؤمنين، فصلَّى بهم تسعةَ أيامٍ في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فلمَّا قبَض الله نبيَّه واختار له ما عنده، ولاَّه المؤمنون ذلك، وفوَّضوليه الزكاة، ثم أعطوه البيعة طائِعين غير مكرهين، وأن وَّل مَن سَنَّ له ذلك من بني عبدالمطَّلِب، وهو لذلك كارهٌ، يَوَدُّ لو أنَّ مِنَّا احدًا كَفَاه ذلك.
وكان واللهِ خيرَ مَن أبقى؛ أرحمَه رحمةً، وأرأفَه رأفَةً، وأسنَّه ورعًا، وأقدَمه سنا وإسلامًا، شبَّهه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بميكائيل رأفةً ورحمةً، وبإبراهيم عفوًا ووَقارًا، فسار بسيرةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى مضَى على ذلك رحمة الله عليه. ثم ولي الأمرَ بعده عمرُ رضِي الله عنْه وكنتُ فيمَن رضي، فأقام الأمرَ على منهاج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحبه، يتبع أثرهما كما يتبع الفصيل أثرَ أمِّه.
وكان والله رفيقًا رحيمًا بالضُّعَفاء، ناصِرًا للمظلومين على الظالمين، لا تَأخُذه في الله لومة لائِم، وضرَب الله الحقَّ على لسانه.
أعزَّ الله بإسلامه الإسلامَ، وجعَل هجرته للدين قوامًا، وألقى الله له في قلوب المنافقين الرهبةَ، وفي قلوب المؤمنين المحبَّة، شبَّهه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بجبريل ، فظا غليظًا على الأعداء.
فمَن لكم بمثلهما؟ رحمة الله عليهما، ورزَقَن المُضِيَّ في سبيلهما.
فمَن أحبَّني فليحبَّهما، ومَن لم يحبَّهما فقد أبغضني، وأنا منه بريء.
ولو كنت تقدَّمت إليكم في أمرهما، لعاقبتُ في هذا أشدَّ العقوبة.
ألاَ فمَن أوتيت به يقول بعد هذا اليوم، فإنَّ عليه ما على المفتري.
ألاَ وخير هذه الأمَّة بعد نبيِّه أبو بكر وعمر رضِي الله عنْهما ثم الله أعلَم بالخير أين هو.
أقول قولي هذا وأستَغفِر الله لي ولكم""

تلبيس إبليس" ص 202 200

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ضع تعليقا يعبر عنك وعن اخلاقك ، ضع راي ، او اي استفسار وسنعاود الاجابة عليه .. انت في سفنكس نيوز

 
تطوير عراق